الثورة على خشبة المسرح: مسرح الربيع العربي في اليمن
الثورة على خشبة المسرح: مسرح الربيع العربي في اليمن
* أعد الدراسة / كاثرين هنيسي
ترجمة / عبد القادر عبد القادر
تحلل هذه المقالة أربع مسرحيات تم أداؤها في اليمن بين عامي 2009 و2013، في ظل ظروف عصيبة، وأحياناً خطيرة. وعلى الرغم من اختلافها الواسع من ناحية الشكل، فإن كلاً من هذه الأعمال تعرض على المسرح الصراع الوجودي لفرد يتمرد على قوى السلطة ضمن مجتمعه. وبذلك فإن هذه المسرحيات تمثل الأعمال الجوهرية للربيع العربي في اليمن. تناقش هذه المقالة حقيقة أن هذه الأعمال الأربعة مجتمعة تسلك المسار الثنائي ل: أ) إدراك متزايد ضمن المجتمع اليمني للحاجة الملحة للثورة، ليس فقط في مواجهة نظام سياسي معين وإنما في وجه وضع راهن اقتصادي واجتماعي وسياسي جامد ومتآكل، و ب) مراحل الذعر والحماس والنشوة والإحباط والخيبة التي بشرت بالأحداث التاريخية للربيع العربي في اليمن ووصفتها.
اليمن, القرن الواحد والعشرين, الربيع العربي, فنون الأداء, المسرح, الثورة
سياق نظري وتاريخي
الثورة كضرورة مستحيلة: (جريمة في شارع المطاعم)
الثورة كعلاج ناري: (عود ثقاب)
كيف تتصور الثورة: (وجهان لعملة)
الثورة تتعثّر: (دعمامستان)
الخاتمة
تمت ترجمة هذا النص إلى اللغة العربية ونشر في عام 2021
1 يقع في حي البونية، المركز الثقافي تملكه وزارة الثقافة، والتي تدعم العديد من الأعمال المسرحية التي ت (...)
2 طرفة رويت خلال مقابلة مع صالح الصالح، ممثل ومخرج يمني، في صنعاء 16 نيسان 2013.
1في عام 2011، وفي ذروة الصدامات بين المحتجين المعارضين للنظام والمؤيدين لعلي عبد الله صالح، اجتمعت مجموعة من الممثلين اليمنيين الشبان عند المركز الثقافي1 في صنعاء للتدرب على أداء مسرحية.2 حفظوا وسردوا سطورهم، وكانوا يتوقفون بين الفينة والفينة للإصغاء للضجيج الصادر عن الأجزاء القريبة من المدينة: غناء جماعي أو رشقات من نيران المدفعية. وفي يوم من الأيام وصل العديد من الممثلين إلى البوابة الأمامية للمركز الثقافي، ليكتشفوا حشداً من المحتجين الذين تم رميهم بالغازات المسيلة للدموع، وهم يهربون من مظاهرة نظمتها توكل كرمان – حازت على جائزة نوبل للسلام مناصفة لاحقاً في تلك السنة– أمام مكتب رئيس الوزراء على بعد عدة أبنية.
2لدى احتمائهم داخل المركز، اتصل الممثلون بأصدقائهم المندفعين لتحذيرهم من الموقف. لكن عندما انجلى الدخان الضار، عادت تجارب الأداء. وفي الرابع عشر من كانون الأول من عام 2011 كان أول عرض لمسرحية ألفريد فرج بعنوان وجهان لعملة أمام جمهور غفير وذواق.
3آخذين في الاعتبار الخطر وعدم الاستقرار، فمن الممكن أن نسأل لماذا وكيف استمر هذا العرض بالذات، كما حصل لأمثاله. ما الذي دفع ممارسي المسرح اليمني إلى المجازفة بحياتهم وأجسادهم مقابل الأداء؟ وما الذي دفع الجمهور اليمني للحضور؟ ما الارتباطات التي توجد بين شكل ومضمون المسرحيات التي عرضت قبل وخلال وبعد عام 2011 والتغييرات التي تمت في تلك السنة في المجتمع اليمني؟ كيف قام المسرح اليمني – وهو جنس أدبي استفزازي في السنوات التي قادت إلى اندلاع الربيع العربي– بتصوير وتقديم وتنفيذ الثورة؟
4للإجابة على أسئلة كهذه فإن هذه المقالة ترسم مساراً للتعليق السياسي والاجتماعي على خشبة المسرح اليمني بين عامي 2009 و2013. بين العشرات من تجارب الأداء المسرحي التي تمت في اليمن خلال هذه الفترة، فإن هذا المسار يركز بالأخص على أربعة أعمال: جريمة في شارع المطاعم (2009) للكاتب وجدي الأهدل، وعود ثقاب (2011) للكاتب عمرو جمال، ووجهان لعملة (2011) للكاتب فرج، ودعمامستان (2013) للكاتبين محمد القعود وأمين هزبر.
5ورغم اختلافها الشاسع في الشكل والأسلوب، فقد تم انتقاء هذه المسرحيات للتحليل، لأن دوافع الصراع في هذه المسرحيات الأربعة هي نفسها: صراع الفرد من أجل قلب العادات والقيود المفروضة عليه من قبل مجتمعه. هذه المقالة ترى أن هذه المسرحيات تعكس اتجاهين وجوديين أوسع في المجتمع اليمني بين عامي 2009 و2013: الإدراك المتزايد للحاجة الملحة للتغيير الثوري، والتدرج من الأمل والرجاء إلى الإحباط واليأس الذي رافق ذلك الإدراك. ضمن كل مسرحية يمكن أن تخدم الدرجة التي نجحت فيها جهود البطل فعلياً في خلق تغيير اجتماعي كمقياس بارومتري لإيمان اليمن الراسخ أن ثورة سياسية اجتماعية حقيقية ممكنة أو على النقيض، كمقياس للإيمان المحبط أنه لن يكون هناك ما يكفي من الجهد لإزاحة أو تدمير القوى الرجعية التي تسود مجتمعاً فاسداً في جوهره.
سياق نظري وتاريخي
6من أجل وضع هذه المسرحيات في سياقها المناسب فإن من الضروري أن نبحث في الطرق التي تَستخدم فيها هذه المقالة مصطلح "الثورة" بما يخص اليمن والربيع العربي. "الثورة" في نهاية المطاف مفهوم زلق. الصور التي تستحضرها الكلمة بصورة عامة عنيفة وتليق بالمناخ العسكري، سواءً كانت الثورة محط السؤال فرنسية، أو أمريكية، أو أمريكية لاتينية، أو بلشفية. ومع ذلك فإن (بإمكاننا) أيضاً أن نستخدم المصطلح لوصف اضطرابات أقل عنفاً، وتحولات في طريقة جماعات كبيرة من البشر في الفهم والعيش والتصرف في العالم من حولهم: يمكن للثورات أن تكون صناعية أو جنسية أو كوبرنيكية.
3 حافظ، 1995، صفحة 10.
7في مقالة استبقت الربيع العربي ب 16 عاماً، بيّنَ صبري حافظ أن مفهوم الحرية كما يتم تقديمه على خشبة المسرح في كافة أصقاع الوطن العربي يجب أن يفهم بمعنى حرية العمل، ليس فقط في المجال السياسي، وإنما ضمن السياق الأوسع لصيَغ وبُنى القُوَّة التي تحدد علاقة الفرد بمجتمعه.3 وكما يتم رسمها على خشبة المسرح من قبل كُتَّاب المسرح وممارسي المسرح العرب، فإن "الحُرِّية"، كما يناقش صبري حافظ قد تتضمن نبذ التقاليد والعقيدة الدينية، والأنظمة القمعية الاقتصادية، أو القانونية، أو أدوار الجنس الاجتماعي الصارمة، أو العادات الجنسية. إضافة إلى المقدرة المرتبطة بصورة أكثر شيوعاً بالتصرف دون خوف من التوبيخ من الدولة القمعية أو العسكرية.
4 لا آلن، 2000، ولا ستاركي، 2006، واللذان تاريخهما في المسرح مفيد تماماً لأولئك الذين يبحثون عن المعل (...)
5 للمزيد عن هذه الأعمال، انظر الفصل العاشر من عولقي، 1983. باستثناء مسرحية آلفريد فرج، كافة الترجمات (...)
6 من الأهمية بمكان ملاحظة أنه، رغم التشابه، فإن المسرح اليمني في الشمال يختلف بالإجمال من ناحية التسل (...)
8هذه المقالة تقوم بنقاش تشبيهي حول تصوير الثورة على خشبة المسرح اليمني. التاريخ الطويل للمسرح اليمني4 الذي للأسف لم يُعط حقه من الدراسة، يزودنا بأمثلة عديدة للمسرحيات اليمنية التي تناقش ثورات الأمة بالتحديد، وبصورة أبرز الإطاحة بالإمامة عام 1962 في الشمال، والثورة المناهضة للاستعمار البريطاني عام 1967 في الجنوب. معظم هذه المسرحيات تمثل على نحو مبسط وفي صورة دعائية الطرف الفائز كأبطال شجعان مكرسين دون أنانية لتحرير أمتهم من قيود نظام شرير واستبدادي5بصورة عامة، فإن "مسرح الثورة" هذا ساعد على خلق وإيصال عمل بطولي من شأنه أن يقدم الدعم للحكومات الجديدة لشمال اليمن وجنوبه.6
9يكرس سعيد عولقي فصلاً كاملاً من عمله الإبداعي في تاريخ المسرح اليمني" سبعون عاماً من المسرح في اليمن"، لهذا النمط من المسرح اليمني ذي التوجه السياسي، منذ ستينات القرن العشرين وحتى 1975. وهو ناقد لاذع لأغلبية المسرحيات التي تعالج الثورات اليمنية، في الشمال والجنوب، حيث دوَّن، ضمن جملة أمور:
7 عولقي، 1983، صفحة 185.
10"وطفت على السطح عدة أعمال مسرحية مباشرة الأسلوب إلى حد التسطيح والسذاجة المخلّة بالمحتوى والشكل الفني مما أضرّ بمضامينها التي حاولت تصوير مرحلة من أغنى المراحل التاريخية في اليمن هي مرحلة التحول الثوري والتغيير الاجتماعي والاقتصادي والسياسي".7
8 المرجع السابق
11يشجب سعيد عولقي بصورة ملونة التقديم المسرحي للثورة في هذه الفترة، وذلك لافتقاره "للرؤية الفكرية للأحداث التاريخية" وللطبيعة المتسمة بالتكرار في حبكاتها وشخصياتها، المتناسقة بصورة مثيرة للدهشة على كلا الجانبين الشمالي / الجنوبي.8الشرير القياسي هو مالك للأرض (إما شيخ ويرمز إلى نظام الإمام في الشرق، أو سلطان وهو شريك ومستفيد من المصالح الاستعمارية البريطانية في الجنوب) وهو يستغل الفلاحين الأُمِيِّين الذين يعملون لصالحه. البطل شخص ثوري يقوم بتعليم الفلاحين من خلال خطاباته النارية عن العدالة والمساواة، ويحثهم على الانتفاضة والتخلص من القيود التي فرضها عليهم الطاغية الظالم.
12من الواضح أن لهذا المحتوى قابلية درامية. إلا أنها، كما يعني سعيد عولقي، قد أوهنها المستوى المتواضع والعدد الكبير للمسرحيات التي تطرقت لهذا الموضوع بلا انقطاع:
9 عولقي، 1983، صفحات 187-188.
"فالفلاح دائماً يوضع في قالب جامد محدد مسبقاً وكذلك الفدائي .. ومعاون السلطان أو الشيخ هو عميله ضد أبناء طبقته وكذلك حارس السلطان أو الشيخ .. وبنت الفلاح الجميلة دائماً هي محور الصراع بين الفلاح والسلطان وأحياناً قطعة الأرض ... والشيخ أو السلطان هو دائماً ذلك البدين الأكرش الأبله المثير للسخرية الذي يفكر دائماً بعضوه التناسلي".9
10 كتبت من قبل علي مسيبلي وأخرجت من قبل عبد الله مسيبلي، وعرضت 30 تشرين الثاني 1968 كجزء من الاحتفال ب (...)
11 عولقي، 1983، صفحة 193.
12 المرجع السابق.
13رغم أن هذه كانت القاعدة المحزنة، كما يرى سعيد عولقي، فإن بعض مسرحيات الفترة شكلت استثناءات حقيقية. المسرحية التراجيدية (شهيد الوطن، عدن 1968)10 ثبتت في ذاكرة جمهورها صورة يمني بريء تم استجوابه وتعذيبه حتى الموت من قبل السلطات البريطانية التي ساورتها شكوك حول مساعدته للقوى الثورية. هنا، الشهادة الوطنية للبطل لا تتألف من أعمال عنيفة أو عسكرية فحسب، وإنما من الشجاعة في صيانة حقيقة براءته حتى في وجه الألم والموت. أحد أعمال برتولد بريخت (القاعدة والاستثناء في لَحْج كان 1969)11انتقد التقسيمات الطبقية المتجذرة التي تحابي الأثرياء بصورة مطردة على حساب الفقراء. عرضت مسرحية بعنوان (خَدِيْجَة) عام 1970 في أبْيَن صوّرت بطلها على نموذج ناشطة يمنية حقيقية، دعت كافة النساء اليمنيات للتمرد على التقاليد الذكورية المحتضرة والبحث عن الحرية.12
13 قارن كادويل، 1972 للمزيد عن ديفيس.
14قامت مسرحيات أخرى بالنظر خلف إطار التاريخ اليمني من أجل وضع سياق لتصويرهم للثورة. (المحاكمة،1973م) على سبيل المثال، التي كتبها وأخرجها حُسين السَّيِّد بحثت في صراع ناشطي الحقوق المدنية الأمريكية ضد التفرقة العنصرية الممنهجة، بالتركيز بصورة خاصة على المحاكمة المثيرة للجدل للناشطة أنجيلا دافيس بتهم الخطف والقتل والتآمر الإجرامي.13 مثل هذه المسرحيات سعت، وبطريقة مشابهة لتلك التي وصفها حافظ، لتوضيح أنه على الرغم من أن الثورات اليمنية ضد الإمام أو البريطانيين كانت قد وصلت إلى نهايتها، فإن المهمة الأكبر لتغيير المجتمع اليمني قد بدأت لتوها.
15تمثل هذه المسرحيات بعضاً من الإسهامات الهامة "لمسرح الثورة" اليمني في الستينات والسبعينات من القرن العشرين. إلا أن العقود المتعاقبة لم تكن بنفس اللُّطف بالنسبة للجنس الأدبي. مع إضفاء المهنية على المسرح من السبعينات وحتى التسعينات من القرن العشرين، وبالأخص مع سيطرة قوى المسرح الوطني المرتبطة بوزارات الحكومة، جاء مستوى من التوقع أن العروض ستبارك بصورة مباشرة أو غير مباشرة، إنجازات الأنظمة المتربعة على السلطة، بدلاً من مديح أولئك الذين يتمردون على السلطة. ولم يكن حتى القرن الواحد والعشرين، وبالأخص بعد 2005، عندما أعاد المسرح اليمني بحق مفهوم الثورة لصميم المسرح.
16يواصل عمل ممارسي المسرح اليمني المعاصرين السير على خطوط تم رسمها من خلال أفضل الأعمال "لمسرح الثورة" في الستينات والسبعينات من القرن العشرين. بدلاً من وصف الناشطين أو السياسيين أو القادة العسكريين أو المظاهرات، فإن الكتاب المسرحيين والمخرجين اليمنيين يتأملون في أحداث الربيع العربي ضمن إطار الأجناس الأدبية غير المألوفة مثل الخيال العلمي والفانتازيا، والاستعانة بالتقنيات المسرحية التجريبية والحديثة. كما أنهم يوسعون إلى تعريف مفهوم الثورة، والذي هو في المسرح اليمني المعاصر ليس مجرد انتفاضة ضد نظام سياسي معين، وإنما اتهام كاسح لكافة الجوانب– القانون والاقتصاد والعائلة والمجتمع، إلخ – المتعلقة بالوضع الراهن الجامد.
الثورة كضرورة مستحيلة: (جريمة في شارع المطاعم)14
14 أنا ممتنة من القلب لصبحي الزريقي، مدرس بارز للغة العربية، والذي بمساعدته الرصينة والمليئة بالاهتمام (...)
15 للمزيد عن الأهدل، يرجى النظر إلى ديهيوفلز، 2003.
17جريمة في شارع المطاعم لوجدي الأهدل تزودنا بواحدة من أقسى الاتهامات.15 هذه المسرحية كانت بالأساس مكتوبة كقصة قصيرة، ومن ثم تم تعديلها لتناسب خشبة المسرح، تم عرضها في نيسان من عام 2009، قبل فترة لا بأس بها من اندلاع الثورة الجماعية ضد نظام علي بن عبدالله صالح في الشوارع اليمنية. تصور (جريمة في شارع المطاعم) العُقْم الشديد لمحاولات الفرد الاحتفاظ بأمانته وإنسانيته في وجه القوى التي تسعى بإلحاح لإحباطه. في هذه المسرحية، فإن المجتمع اليمني، وبالأخص الكيان الذي يساند نظام صالح، ليس فاسداً فحسب، وإنما مهترئ لدرجة الانهيار.
16 الأهدل، 2009، صفحة 8.
18يبدأ السيناريو عند مقهى في "شارع المطاعم"، وهو مكان حقيقي قرب ساحة التحرير في مدينة صنعاء، مشهور بكثرة مطاعمه ومقاهيه. يجمع المقهى بين تنوع واسع من الزبائن يمثلون كافة أطياف المجتمع اليمني: مرشد الإنسان المثقف، وياسر الصحفي، وحريب النادل، وجميلة الفتاة اليتيمة المفلسة التي هي في ريعان شبابها وتتسول من الزبائن لكي تعيل أشقاءها الصغار.16
17 المرجع السابق. صفحة 4.
19يظهر تناقضان للعيان: مرحاض أبيض موضوع باتجاه مقدمة المسرح قرب الجمهور، وكرة ذهبية تتدلى من السقف، تتأرجح من طرف إلى آخر، مع كلمة "بنك" وعلامة الدولار منقوشة عليها. يدخل رجل في منتصف العمر متأنق في لباسه وهو يتجول بزهو أمام الزبائن الآخرين متجهاً نحو مقعده.17 هذا هو عبد اللطيف، بطل المسرحية المحكوم عليه بالفشل.
18 قارن الزريقي، 2012.
20كما لاحظ أحد النقاد الأدبيين اليمنيين، فإن مسيرة حياة عبد اللطيف تشكلت وتقولبت من خلال الموت والنزوح.18 كونه قد فقد والديه، يعيش عبد اللطيف مع جده حتى سن العاشرة، ثم انتقل مع عمه من اليمن إلى كينيا. عندما مات عمه، تم إنقاذ الولد من شوارع كينيا من قبل عائلة لبنانية مارونية قامت بتبنيه ووفرت له الاستقرار والتعليم والثروة وتجربة السفر في أرجاء المعمورة.
19 الأهدل، 2009، صفحة 12.
20 المرجع السابق، صفحة 9.
21كنتيجة لسخاء العائلة التي تبنته، أصبح عبد اللطيف فناناً، بالمهنة وبالطبيعة، شخص بأحاسيس جمالية فائقة. عمل كمهندس ديكور، وهي عبارة تحتمل عدة معاني، من مصمم ديكور داخلي لمصمم (مسرحي). على أرض الواقع، فإنه مبدع مساحات جميلة وناجح بامتياز، حيث جمع خلال العقود التي قضاها في الخارج ثروة تقدر بثمانمائة ألف دولار أمريكي.19 إلا أنه ومنذ عودته إلى اليمن تم تجميد حسابه في البنك، وانحدرت حياته لدرجة أنه أصبح يتناول ما يتبقى من طعام الآخرين.20 اليمن، كما توحي المسرحية، ليس مكاناً مناسباً للإبداع الفني. حتى مهندس ديكور يعجز عن تحويل فقر اليمن وبؤسه إلى شيء جميل ومتناغم. إذا تغيرت المساحات هنا، فذلك حتماً سيكون نحو الأسوأ.
21 المرجع السابق، صفحة 17.
22مدير البنك شخصية تعيش في الظل بلا جسد، معروفة للجمهور فقط من خلال صوتها الذي يصدر من الكرة الذهبية، وهو قادر على إيقاف تجميد أصول عبد اللطيف، ولكنه بدلاً من ذلك جعل من مصمم الديكور هدفاً وفأر تجارب يستطيع من خلاله إثبات نظرية الحيوان الأليف التي يؤمن بها مدير البنك: وهي أن "الناس سينخرطون في السلوك الإجرامي في حال كان ذلك الطريق الوحيد للحصول على ما يستحقونه في المجتمع مادياً وروحياً، تماماً مثل الحيوانات في الغابة. والمكافأة البديهية لارتكاب مثل هذه الجرائم هي أن تكون محط إعجاب كمواطن صالح."21المجتمع، كما يراه مدير البنك، رابطة من علاقات القوة القسرية والتي يملك المواطن فيها خيارين لا ثالث لهما: إما أن يرتكب الجرائم، أو يقع ضحية لها. رغبة جامحة في توضيح حقيقة هذه "النظرية العلمية" النيتشية المشوهة تقود مدير البنك لوضع خطة يقوم من خلالها بإعطاء عبد اللطيف خياراً واحداً لا ثاني له بارتكاب فعل عنف شائن.
23يرسل مدير البنك تابعه المؤتمن وِسْوَاس إلى عبد اللطيف مع مقترح: سيقوم البنك بإيقاف تجميد حساب عبد اللطيف في حال ارتكب عبد اللطيف واحدة من سبعة عشر جريمة مقترحة، مكتوبة على ورقة زرقاء. يقرؤها عبد اللطيف دون أن تصدقها عيناه، ومن ثم يمزقها إلى أجزاء صغيرة. دون أي رادع، يقوم مدير البنك بإثارة عراك بين عبد اللطيف ووسواس ينتهي بسجن عبد اللطيف بجرم الشروع في القتل.
22 الأهدل، 2009، صفحة 17.
24في نهاية المطاف يقوم وسواس بزيارة عبد اللطيف في السجن، ويخبره بتهكم أن باستطاعة مدير البنك أن يطلق سراحه باتصال واحد، وفي نفس الوقت بإمكانه أن يتركه ليتعفن في السجن حتى آخر أيام حياته. "يوماً ما ستظهر الحقيقة"، كان هذا رد عبد اللطيف، لكن وسواس يضحك: "الحقيقة! يا لك من ساذج! يا صاحبي الحقيقة تساوي ما يدفع فيها. وبما أننا نحن الذين ندفع المال، فإنه من حقنا أن نحصل على الحقيقة التي نرغب بها".22
25بذهول تام يسأل عبد اللطيف عن الجريمة التي ارتكبها بحق مدير البنك والتي تستحق هذه العقوبة. يشرح وسواس، "جريمتك هي أنك لم ترتكب أي جريمة على الإطلاق!" ويواصل شرح نظرية مدير البنك. "هذا يعني أن المواطن الأصلح هو الأكثر إجراماً؟" يسأل عبد اللطيف في حالة من عدم التصديق. "تماماً!" يجيب وسواس. عبد اللطيف يصمت لبرهة ويطلب سيجارة ومن ثم الورقة الزرقاء، وبعد ذلك انطفأت كافة الأضواء. في الظلام يسمع الجمهور صوت ذئاب تعوي. وتنتهي المسرحية بالتالي:
23 المرجع السابق، صفحة 18.
26أضواء حمراء وأرجوانية. عبد اللطيف: يخرج من الزنزانة، وسواس يناوله بندقية كلاشينكوف (...) رواد المقهى جالسون حول الطاولات، وجميلة تدور وتشحذ منهم. حَريِب بيده إسفنجة ينظف إحدى الطاولات. عبد اللطيف: يقترب من المقهى، يصوب البندقية ويفتح النار عليهم جميعاً (...) رواد المقهى وجميلة وحريب جميعهم يسقطون قتلى على الأرض. أصوات صراخ وبكاء. عبد اللطيف: ينسحب عقب قيامه بجريمته ويذهب للجلوس على المرحاض متوكئاً على البندقية وكأنه بطل. وسواس يصفق بحرارة شديدة. ستار.23
27عبد اللطيف يشتري إطلاق سراحه من السجن بحمام الدم الأخير، والصادم أكثر هو أن العنف موجه نحو أولئك الذين يعرفهم. لا توجد قراءة تبرر اللحظة الأخيرة هذه. فهي لا تمثل تطهيراً علاجياً لعناصر المجتمع البائسة، ولا تحريراً لجميلة البريئة من حياتها البائسة. إنها ببساطة تصوير للأعماق الخطرة والمذلة التي كما يرى المؤلف، سيقود لها الفساد المستشري في المجتمع اليمني بلا ريب، كما هو ممثل بوضوح من قبل وضعية عبد اللطيف الأخيرة في دورة المياه. وبذلك فإن المسرحية توضح الضرورة المطلقة لتغيير مجتمعي كامل، إضافة إلى النقص الشديد في الاعتقاد بأن مثل هذا التغيير سيحدث يوماً ما.
24 يروي هِزَبْر أنه درس عرض النهاية على المسرح عندما كتبها الأهدل، إلا أنه وجدها غير مرضية عاطفياً وجم (...)
28حتى الآن قمنا بتحليل سيناريو المسرحية كما كتبها وجدي الأهدل، إلا أن العمل المسرحي في نيسان 2009 غير عدداً من الاستعارات الأساسية في المسرحية. المخرج أمين هِزَبْر اختار ألا تكون دورة المياه جزءاً من إخراجه، فقد ارتأى أن وضع شيء كهذا على خشبة المسرح يعتبر مؤذياً للذوق الرفيع، بغض النظر عن صداه المليء بالرمزية. كما أنه، على نحو يثير المزيد من الجدل، غير المشهد الأخير في المسرحية: عندما خير بين قضاء حياته في السجن وبين القيام بعمل إرهابي ألا وهو القتل، قرر عبد اللطيف أن الانتحار هو الحل الأمثل.24 رغم أنه لم يكن بقوة النهاية التي وضعها الأهدل، فإن الرسالة – أن البشر اللائقين ببساطة لا يتحملون الضغوط الشريرة التي يفرضها المجتمع الفاسد – بقيت واضحة.
25 يبين الأهدل أنه، من ضمن أشياء أخرى، كان يقصد رمز الدولار($) على الكرة الذهبية كرمز للحرف الأول من ا (...)
26 تم تجهيز التسجيل بحيث كان من الممكن بثه على شاشة التلفزيون اليمني. هذا يحدث بين الفينة والفينة مع ا (...)
29هذه التغييرات لم تهمش الطبيعة الاستفزازية للمسرحية في عيون أعضاء قسم الأمن السياسي اليمني، الذين طلبوا نسخة من السيناريو، واستجوبوا هزبر بخصوص محتواه. القوة المطلقة والفساد الغادر لمدير البنك كان جلياً كإهانة لعلي عبد الله صالح لا يمكن إغفالها.25 رغم المضايقة من قوى الأمن، فقد تم عرض المسرحية وتسجيلها في المركز الثقافي في صنعاء.26 في الأدب اليمني وخلال السنوات التي سبقت الربيع العربي، تبقى جريمة في شارع المطاعم واحدة من العروض الأكثر إقناعاً لوضع لا يطاق وجد اليمنيون ذوو التوجه الأخلاقي أنفسهم فيه بخصوص علاقتهم بمجتمعهم، فهي توضح كلاً من الحاجة الملحة للتغيير والاعتقاد الراسخ التشاؤمي أنه لا مجال للتغيير، إلا نحو الأسوأ.
الثورة كعلاج ناري: (عود ثقاب)
27 شكري الخالص للدكتور نزار غانم باحث في جامعة صنعاء ومؤسس ل مؤسسة شركاء المستقبل للتنمية "FPFD" لتزويدي بنسخ من هذه التسجيلات وعرو (...)
28 تم إنتاج عدد من العروض المسرحية الهامة في اليمن بمساعدة رعاية أجنبية، و/ أو منظمات غير حكومية أجنبي (...)
30بعد سنتين من إنتاج جريمة في شارع المطاعم، وجد مواطنو اليمن أنفسهم في قلب ثورة لم يكن بالإمكان تخيلها في مواجهة الأنظمة نفسها التي كان الأهدل قد انتقدها بشدة. في منتصف هذه الثورة، ألف الممثل والكاتب المسرحي والمخرج اليمني ذائع الصيت عمرو جمال مسرحية بعنوان (عود ثقاب) وهي تعلق على أحداث الربيع العربي من خلال صورة عائلة مختلة، تم إنتاجها بالتعاون مع شركاء المستقبل لأساس التنمية (منظمة يمنية غير حكومية رعت عدداً من المسرحيات الهامة عامي 2010 و 2011)،27 وبدعم من السفارة الهولندية في صنعاء،28 عرضت هذه المسرحية في عدن في الثالث من تشرين الأول من عام 2011.
31المشهد الافتتاحي من عود الثقاب يظهر قاسم ومحمود وفاطمة بالتعاقب كزوج ووالد وأم بطلة المسرحية أمل. أمل مفقودة، والشخصيات الثلاث الأخرى تتهم بعضها البعض بدفعها بعيداً. تتهم فاطمة الغاضبة قاسم بالإساءة إلى أمل. "ابنتك مجنونة"، يجيب قاسم بغضب "إنها مريضة"، ويعيب الطريقة التي تربت بها أمل: فقط سنوات من إهمال الوالدين، يردف قائلاً، قد تعطي الفتاة فكرة أنه من المسموح لها أن تهرب من بيت زوجها. وبعد ذلك تلتفت فاطمة نحو زوجها: العار على محمود، لتزويجه أمل في سن مبكرة جداً لرجل يكبرها بخمس وثلاثين سنة.
32وفجأة تتجمد كافة الشخصيات في إيماءة من المنتصف وتدخل أمل وتقوم ببعض التعليقات الإضافية على المشهد الذي مضى لتوه. مظهرها يستدعي للذاكرة إشارة قاسم لحالتها النفسية السقيمة. شعرها جامح والمكياج الكثيف الذي زينت به عينيها سال على خديها على شكل شرائط، مسارات الدموع. توقف الحوار الماضي: لا أحد من الثلاثة بريء. كل منهم، كما تخبر أمل الجمهور مع إيماءة بيدها نحو قلبها، قد جرحها بعمق.
33يوضح المشهد الثاني واحداً من هذه الجروح المبكرة. تستذكر فاطمة طفولة أمل. أمل، التي تقوم بدورها ممثلة بعمر السابعة أو الثامنة. تركض نحو الداخل لتري أمها إحدى الرسومات التي رسمتها للتو باستخدام أقلام التلوين.
أمل (بزهو، مشيرة إلى الورقة): هذه أنت، وهذه أنا.
فاطمة (بعبوس): أنا مريضة؟
أمل: وأنا الطبيبة، وسوف أعالجك من المرض.
فاطمة (بحنو): ستكونين أجمل طبيبة في العالم يا حبيبتي.
34بعد أن تقوم نظيرتها الطفلة بالهرولة بسعادة إلى جانب خشبة المسرح، تدخل أمل البالغة، وتتهم أمها برسم صورة مزيفة وأنانية. فاطمة تستجدي الجمهور بأن يصدقوا أنها قالت الحقيقة، إلا أن أمل تقود المشاهدين بصرامة: "الحقيقة؟ انظروا لها! انظروا إلى الحقيقة". فاطمة وأمل الصغيرة بعد ذلك تعيدان كافة الحركات التي قامتا بها مؤخراً على نحو معاكس حيث يسمع الجمهور صوت شريط تسجيل يسير ضمن آلة بسرعة عالية، كما لو أن أحداً ما قد ضغط زر الرجوع وهو يشاهد شريط فيديو.
35الفنانتان تعيدان المشهد الآن من البداية، لكن في هذه المرة نرى فاطمة تمسك بغضب ابنتها من شعرها عند اكتشافها أن أمل كانت ترسم بدل أن تنظف.
فاطمة: هيا. اذهبي الآن لتنظفي الحمام، ثم تعالي لتنظفي هذه الغرفة وغرفة النوم.
أمل: لكن غداً عندي امتحان، لا بد أن أذاكر!
فاطمة: أوففف، أوففف، امتحانات، امتحانات! انسي أمر المدرسة. انسي! (...)
أمل (تبكي): ولكن حلمي أن أكون طبيبة! فاطمة (بسخرية): طبيبة!وفي هذه البلاد؟. ومن سيصرف عليك من الآن إلى أن تدخلي كلية الطب؟ (...) قلت لك مائة مرة: الفتاة لها بيتها وزوجها. التعليم للأولاد.
36في نهاية المشهد، أمل البالغة تخبر الجمهور بحزن أن حياتها بأكملها كانت استعراضاً طويلاً لهذه الجروح. بعضها يمكن أن يلتئم، لكن أسوأها لن يلتئم أبداً.
37مع تلك الإشارة المنذرة بالسوء والتي ما يزال يتردد صداها، يبدأ المشهد المروع التالي. أمل الصغيرة اغتُصبت في الشارع. تركع بصمت في وسط المسرح، مطأطئة رأسها من العار في كامل المشهد. والداها حولها يبكيان ويشتمان القدر ويتبادلان الشتائم. محمود يلقي باللوم على فاطمة، التي تساند الأسرة بعملها في الخياطة، بسبب تركها أمل من دون رقابة عند إيصال الثياب إلى زبائنها. عند نقطة معينة، يعلن محمود عن نيته قتل أمل. وعندما اعترضت فاطمة، ازداد إصراراً، "سأقتلها، وأقتلك معها!"
38لكن يتم تجميد هذا المشهد أيضاً وإعادته من جديد. في هذا الوقت يستجدي محمود الجمهور بأن يفهموا أنه "لم أكن أباً قاسياً ... نعم، نعم، قد يكون جهلي سبباً في أنني حرمت ابنتي الوحيدة من التعليم ... ولكني ظننت أن ذلك يصب في مصلحتها ..." في نهاية المطاف، هو يتساءل، ما فائدة التعليم لفتاة سينتهي بها الأمر في بيت زوجها؟ تدب الحياة في فاطمة، وبعد جدال مطول، كل منهما يغادر خشبة المسرح مسرعاً، تاركين أمل الصغيرة المكلومة لوحدها، وهي جاثية على الأرض صامتة بلا حراك.
29 الفترة الحقيقية للوقت الذي انقضى غير محدد في المسرحية. هذا تقديري الخاص.
39بعد نحو أربع سنوات،29 عادة تعاطي القات الباهظ الثمن تركت محمود غارقاً في الدين لقاسم، رجل في منتصف العمر معروف كزير للنساء. مأخوذاً بجمال أمل (الآن تقوم بدورها ممثلة ثالثة تبلغ الثانية عشر من العمر)، قاسم يقترح أن يسامح محمود بالدين. لكن في المقابل، طلب منه أن يزوجه أمل. وبعد أن "حصل ما حصل"، حيث يلمح قاسم بطريقة ملطفة، من سيرغب بأمل كزوجة؟ لدى ممانعة محمود المستمرة، يهدد قاسم بصورة غاضبة أنه سيطالبه بسداد الدين فوراً.
40رغم أن أسلوب العصا والجزرة هذا انتزع موافقة محمود على مضض، إلا أن الزواج لن يكون سعيداً كما هو متوقع. ترفض أمل، حتى وهي بالغة، أن تنام مع قاسم، وهو ينتقم منها بإحضار نساء أخريات إلى المنزل من أجل تلك الغاية. تواجهه ("إني أراهنّ! أراهنّ ... أراهنّ كل يوم، يخرجن من غرفة النوم"). لكن مثل والديها يرد عليها بشأن تصرفه بتبريرات أنانية لا حصر لها، موجهة لها وللجمهور على حد سواء.
41في نهاية المسرحية، لم تعد أمل تحتمل. الخاتمة الغريبة للمسرحية تظهر الشخصيات الثلاث ذات السلطة وهي تعيد عرض المشهد الافتتاحي. يقومون بتمثيل لحظاتها الأخيرة بحركة بطيئة، ثم يعودون للوقت الحقيقي، عندما تدخل أمل ذات الثماني سنوات من يسار المسرح، قاذفة في قلوبهم الرعب بصورة مرئية. ينظر الثلاثة إلى المركز الخلفي للمسرح كما لو أنهم يبحثون عن فسحة للنجاة، إلا أن أمل التي تبلغ من العمر اثني عشر عاماً تعترض طريقهم. وفي النهاية، تدخل أمل البالغة مبتسمة، إلى يمين المسرح وبحوزتها إناء مليء بالبنزين. تسكب بعضاً منه على نفسها، ثم ترش ما تبقى على زوجها ووالديها. تسحب عود ثقاب من كم ثوبها وتشعله. قاسم ومحمود وفاطمة جميعهم يصرخون "لا!" وتنطفئ الأضواء حالاً على خشبة المسرح.
42في شهر تشرين الأول من عام 2011 كان سيفهم أفراد الجمهور اليمني حالاً أن التلميح يشير إلى محمد بوعزيزي الذي ضحى بنفسه، وهو بائع متجول تونسي دفعه اليأس والغضب من المرض والظلم الشخصي في مجتمعه لإضرام النار في جسده في السابع عشر من كانون الأول لعام 2010. تصرف بوعزيزي الاحتجاجي كان بحد ذاته عود ثقاب ساعد في إشعال موجة الاحتجاجات النارية في تونس وعلى مدار الوطن العربي، ما يعرف حالياً بالربيع العربي. ومن الجلي أن أمل كانت مقصودة كأنثى يمنية نظيرة لبوعزيزي، أوذيت مرة من خلال تصرف يتسم بالعنف المريع، ومن ثم مراراً وتكراراً من خلال الكلمات والأفعال الصادرة عن الأشخاص صاحبي السلطة الذين يحيطون بها. عاجزة تماماً أمام حظها العاثر، ترد بتصرف ينطوي على تدمير الذات. إلا أنه يجدر التأكيد على أنه بخلاف بوعزيزي، فإن أمل لا تضحي بنفسها وحسب، وإنما بمن حولها أيضاً. هذه الشخصية على استعداد لإضرام النار في كل شيء وفي كل شخص أسهم في بؤسها.
43أمل فتاة شابة تم إهمال أو إعاقة أو إهانة أحلامها وطموحاتها من قبل أفراد من جيل أقدم. المأزق الذي وقعت فيه أمل يحاكي قصة الكثير من شبان اليمن. المشهد المبكر الذي يصور فاطمة وهي تستذكر رسمة أمل ليس مجرد تفاعل مبتذل بين أم وابنتها، وإنما حكاية رمزية عن الطموحات الجديرة بالثناء للجيل الجديد في اليمن لتثقيف أنفسهم، وليسهموا بما يستطيعون في بناء وشفاء مجتمعهم، وعن التحطم المنظم لتلك الآمال من قبل قوى راسخة تمنع بجهلها وأنانيتها الجيل الجديد من الانخراط معها. تصور المسرحية بأكملها بصورة درامية محاولات أمل إجبار الشخصيات ذات السلطة على تصفية حسابهم مع الحقيقة ومع عواقب تصرفاتهم نحوها. عجزها المطلق عن تحقيق هذا هو رض إضافي، متجذر جزئياً في الرض النفسي الناجم عن اغتصابها: الأكاذيب أيضاً، هي شكل من أشكال الاعتداء الذي وقفت عاجزة أمامه، وفي نهاية المطاف فإنها تغذي شهية خطيرة منفتحة على دمار الذات والآخرين.
44في أواخر 2011 كانت ستقرأ المسرحية على الأرجح من قبل بعض المفكرين من الجمهور على أنها تأكيد للضرورة المطلقة لثورة الربيع العربي المستمرة في اليمن. ربما أدرك البعض فيها رغبة في تغيير المجتمع اليمني، ليس صعوداً نحو مستويات الأنساق العليا فحسب، وإنما نزولاً للوصول إلى دعامتيها الأساسيتين: العائلة والفرد. ربما أحس السياسيون الأكثر دهاء بالجمر تحت الرماد. في تشرين الأول وبوجود صالح متشبثاً بكرسيه بعناد، فإن العديد من أفراد حركة الاحتجاج الشبابية في اليمن قد بدؤوا في التعبير عن الإحباط والغضب، نظراً لأن جهودهم وآمالهم قد تم تهميشها من قبل فصائل أكثر قوة. احتياجات أمل واهتماماتها تم تجاهلها أو تحقيرها، كما أن زوجها ووالديها استهانوا على نحو قاتل بتصميمها على تحرير نفسها من قبضتهم المحكمة. الرسالة واضحة: يجب على النظام أن يتخلى عن قبضته، ويجب الالتفات إلى شؤون الشباب اليمني. وإلا فإن المجتمع اليمني سيجازف بسلسلة عنيفة من التصدعات وتصفية الحسابات. في 2011 كان التحذير ضرباً من الغيب. أما اليوم فإنها ما تزال صحيحة من باب التشاؤم.
كيف تتصور الثورة: (وجهان لعملة)
45معروفة أكثر تحت عنوان "علي جناح التبريزي وتابعه قفة" فقد تم عرض مسرحية (وجهان لعملة) في المركز الثقافي في صنعاء في 14 كانون الأول عام 2011. كانت بالأساس مدرجة على جدول العروض في ربيع 2011، كجزء من مهرجان المسرح السنوي في صنعاء تحت رعاية وزارة الثقافة، إلا أن الاضطرابات والفوضى العنيفة، بما فيها قتل 52 متظاهراً في ساحة التغيير في 18 آذار، أدت إلى تأجيلها المتكرر. هذا يعني أن العمل يمتد على ثلاث مراحل متميزة من الربيع العربي اليمني. أبصرت فكرة عرضها النور في الشهور الأولى العنيفة من عام 2011، ضمن الإثارة والنشوة التي سبقت "يوم الكرامة" في اليمن (18 آذار). كانت تجارب الأداء قد استؤنفت قبل 23 تشرين الثاني، عندما وقع صالح أخيراً معاهدة الانتقال التي توسط لها مجلس التعاون الخليجي، وقد تم العرض بعد أن وافق صالح رسمياً على التخلي عن الحكم.
46في نص المسرحية التي كتبها ألفريد فرج، يستخدم البطل قوة الخيال لإشعال ثورة اجتماعية. كان علي جناح التبريزي كريماً لحد الإسراف بحيث أنفق كل نقوده في إمتاع أصدقائه، الذين هجروه بعدها. في مشهد المسرحية الافتتاحي المسلي، يعزي نفسه وخادمه قفة الذي عين نفسه بتخيل وليمة رائعة. الاثنان يرضيان نفسيهما بلقيمات تم وصفها بكرم ولكنها غير موجودة. ومن ثم يثملان على خمر غير مرئي. ومن ثم يتفقان (بما أن بيت التبريزي على وشك أن تتم استعادة ملكيته) أن يسافرا نحو حدود الصين. هنا التبريزي يظهر كأمير من بغداد وصل قبل قافلته المثقلة بأفخر البضائع. أوصاف مهيبة لثروة التبريزي الخيالية، مقرونة بسخائه غير المشروط في توزيع مدخرات حياة قفة على فقراء المدينة، تقنعان تجار المدينة والملك بإقراضه كل أموالهم، فيقوم بإعادة توزيعها على المحتاجين. حتى أنه يتزوج ابنة الملك. ولكن مع مرور الأسابيع وكون قافلته لم تظهر، قام الذين خدعهم بتهديده بالقتل. لكن التدخل الذكي من قفة، الذي تنكر على أنه سائق القافلة وأعلن عن تأخر وصولها، كان السبيل الوحيد الذي سمح للرجلين (وابنة الملك) بالهرب والنجاة.
47فرج كاتب مسرح مصري وليس يمنياً، ومسرحيته عمل كلاسيكي ينتمي للمسرح العربي، تعود بتاريخها ل 1969. ومع ذلك فمواضيعها كانت ذات صلة مباشرة باليمن في أوائل عام 2011، وقد اكتسبت معنى إضافياً تراكمياً مع انكشاف أحداث السنة. الملك الطماع وطبقة التجار الجشعة، جميعهم فاسدون، غير مبالين ببؤس الفقراء، ومحكومون برغبتهم في منع بعضهم البعض من الحصول على فائدة أو منفعة، كانوا في اليمن نظائر بديهية لعلي عبد الله صالح ومنافسيه السياسيين الرئيسيين، قبيلة الأحمر الثرية. وفوق ذلك، كالعديد من أولئك الذين شاركوا في مظاهرات اليمن، لدى التبريزي رغبة جامحة في التغيير الاجتماعي، لكنه دون نفوذ أو إمكانيات اقتصادية. الأدوات الوحيدة التي كانت تحت تصرفه هي الرؤية والفصاحة. ومع ذلك، كما تؤكد المسرحية، المقدرة على تصور واقع بديل هي الخطوة الأولى الحاسمة نحو النجاح. عندما يتهكم قفة قائلاً إن القافلة مجرد كذبة، يعلق التبريزي بضرب من التأمل أنه رغم ذلك فإن آثارها على المجتمع كانت حقيقية:
30 فرج، 1995، صفحة 336.
48ألم ير قفة بنفسه أن هذه القافلة جلبت الازدهار للبلدة حتى قبل أن تصل؟ ازدهار بإمكاننا أن نراه ونلمسه. ألم تخلق فرص عمل بنتائج ملموسة للناس: طعام وشراب ولباس؟ (...) كل ذلك حتى قبل وصول القافلة. فماذا سيحصل عندما تصل؟30
31 الأماني، 2000، صفحة 193. شكري الخاص للدكتور العناني لإيضاحاته على إحدى مسودات هذه المقالة.
49ماذا سيحدث عندما تصل القافلة؟ التبريزي روبين هود العرب، وأفعاله تؤدي إلى جزء يسير ولكن هام من التغيير الاجتماعي. كما يرى رشيد العناني، التبريزي مثل كل أبطال فرج هو فارس "يمتطي حصانه بجرأة في بحث دؤوب بغية تحقيق العدالة على الأرض".31 ومع ذلك، في ختام المسرحية، يتبقى ما لم يتم إنجازه. يقوم التبريزي بسرقة الأغنياء وإطعام الفقراء، وفي نهاية المطاف ينجو من غضب الملك، لكن الملك والتجار يبقون في المدينة. وفيما إذا تحطمت هيمنتهم على الطبقات الأكثر فقراً بصورة مؤكدة فهو سؤال يبقى مطروحاً للنقاش.
32 فرج، 1995 ،صفحة 345.
33 اليمنيون الذي طلبت منهم أن يفسروا هذه الصورة التي تدل على "النبي عيسى" وأيضاً أشرت إلى الصلب كعقوبة (...)
50الإنتاج اليمني للمسرحية، من إخراج صالح الصالح وبطولة نبهان الشامي وعبد العزيز البعداني بدور التبريزي وقفة، وضّح هذا الغموض عن قصد. أشارت صورة مرئية معينة مقدار القوة والتضحية المطلوبة من المحتجين لحماية ثورتهم. عندما يُقبَض على التبريزي، سيناريو فرج يدعو إلى "تقييد علي من معصميه إلى عمودين"32. بينما ينتظر الأوامر لإعدامه. إلا أنه في العمل اليمني، تم وضع العمودين على شكل صليب، بحيث يبدو أنه يعدم مصلوباً. رغم أن صورة الصلب في العالم الإسلامي قد ترسم في الذهن صوراً متعددة ولحظات تاريخية33، فهي بلا ريب صورة الألم المبرح والمعاناة والإذلال على أيدي قوى مطلقة القدرة وتواقة للانتقام. بالنسبة لجمهورها يمكن أن تذكرهم بالعنف الذي تحمله المحتجون على أيدي القوى الأمنية والبلطجية المدنيين.
51علاوة على ذلك، بعد نهاية المشهد الأخير، طلب العمل اليمني من الشخصيات أن تظهر من جديد على خشبة المسرح في لوحة حية. قفة ينصح الجمهور: "لا يمكنكم بناء أي شيء بالنوايا الطيبة فقط. عليكم بالعمل، حيث من خلال العمل بإمكاننا بناء كل شيء. لا تقولوا، سوف نبني هذه أو تلك، وإنما قولوا بنينا هذه أو تلك. حيث أنه فقط عندما نعمل لغاية واحدة نستطيع أن نحقق أهدافنا". تأكيد هذه السطور على الحاجة للعمل الملموس يعارض بطريقة أو بأخرى موضوع المسرحية حول قوة التغيير بالخيال. ومع ذلك، آخذين بالحسبان الانتقال السياسي للأمة في وقت العرض، مع صالح محط الشكوك على نحو واسع بمحاولته تقويض نجاح النظام الجديد لصالح ابنه أحمد، بدت السطور كإنذار تحذيري مناسب أن ثورة اليمن لم تنته بعد.
34 هذه ليست المرة الأولى التي تم فيها إضفاء الطابع المسيحي على المسرحية. تلاحظ دينا أمين أنه في عام 19 (...)
52وبذلك فالعرض كان بمثابة احتفال بانتصارات الربيع العربي، وتحذير أن المحتجين لربما كانوا بحاجة للقيام بتضحيات أكثر قبل التحقيق الكامل لآمالهم في التغيير: "وجها العملة" في ثورة اليمن، كما تمت الإشارة إليهما في عنوان المسرحية اليمنية وجهان لعملة.34
الثورة تتعثّر: (دعمامستان)
53بعد سنة وربع من "وجهان لعملة"، استعرضت مسرحية يمنية أخرى الطبيعة المفعمة بالسياسة المعاصرة من خلال الجنس الأدبي المعروف بالخيال العلمي، وصورة بيانية لفرد من اليمن يختبر النظام السياسي المثالي الذي يوجد على كوكب آخر. تم عرض المسرحية دعمامستان في أواخر آذار 2013 في مدرج جامعة جمال عبد الناصر في صنعاء. يأتي موضوعها من قصة قصيرة نشرت عام 2006 من قبل المؤلف اليمني محمد القعود.
35 القعود، 2006، صفحة 39.
54بينما هو سائر نحو بيته راجعاً من صلاة العشاء في المسجد المحلي، متعثراً في الظلام الناجم عن الانقطاع المفاجئ للتيار الكهربائي، تحيي البطل "سيارة غريبة لم ير قط مثلها".35 يشرح ركابها أنهم وفد من الفضاء الخارجي، من جمهورية دعمامستان. لدى المواطنين في جمهورية دعمامستان تقليد بانتخاب رئيسهم من سكان الأرض، وفي هذه السنة تم اختيار بطلنا لملء هذا المنصب.
55سرعان ما يفسح خوفه وشكوكه الطريق أمام خططه الشريرة: يتخيل الأوامر التي سيصدرها، والنقود التي ستكون تحت تصرفه، والوظائف المحترمة التي سيوزعها على أقربائه وجيرانه. منساقاً خلف هذه التخيلات المبهجة، يوقع عقده بسرعة دون أن يكلف نفسه عناء قراءته. تتحول السيارة الغريبة إلى مركبة فضائية، وتحلق به بعيداً إلى بيته الجديد.
56لكن واقع الحياة كرئيس لجمهورية دعمامستان كان دون توقعاته. لم يكن هناك أبواق ترحب بوصوله عند مطار الكوكب الجديد. خصصت له سيارة بسيطة ومأوى متواضع، ورغم أن خياله استدعى حشداً من الخدم تحت تصرفه، وجد لحظه السيئ أن من المتوقع منه أن يطبخ وينظف لنفسه، وحتى أن يحضر الشاي بنفسه. عندما عارض بشدة قيامه بهذه الأعمال لكونه الرئيس، أشار الوفد أن كل جوانب العمل والمكافأة مسجلة في العقد الذي أبرمه معهم.
36 المرجع السابق. صفحة 52.
57وأخيراً قرأ هذه الوثيقة ليكتشف مدى خيبته عندما وافق أن ينجز واجبات الرئيس في الجمهورية مقابل راتب متواضع، يدفع بالدولار الدعمامستاني. ويدعم شهرياً بكيلو من الزبيب، وزجاجة من العصير، وعلبة من الحليب المكثف الممتاز، وماعز في العطل الرئيسية.36 كما أنه وافق على عدم تنفيذ العشرات من الأعمال البراقة والمتهورة التي حلم بها، بما فيها نهب الخزينة، والقيام بمواعيد خاصة للمكتب العام، وتعليق صورته في الأماكن العامة.
37 المرجع السابق. صفحة 57.
58الوفد غير متعاطف مع انتهاكاته حيث أن قوانينهم تجعله عاجزاً عن "التهام الطعام بكثرة مثل دجاجة على حساب الخزينة".37 ويخبرونه بصرامة أن يتوقف عن إضاعة الوقت ويبدأ العمل. إلا أنه يتسبب بحادث بين الكواكب فوراً عندما يصفع سائقه لرفضه تنفيذ أوامره في تخطي حدود السرعة. تعلن نقابة السائقين عن القيام بإضراب، وتعترض منظمات حقوق الإنسان من الكواكب الأخرى، وجلسة طارئة من مجلس الشعب في دعمامستان تقضي بإيقافه عن العمل لمدة أسبوع وتفرض عليه غرامة، تقتطع من راتبه وتدفع للسائق وعائلته.
59في غضون ذلك، يقابل اليمني الذي كان رئيس دعمامستان السابق والذي يعمل الآن كنادل ليسدد الديون التي تراكمت عليه خلال فترة توليه المنصب. في إحدى نقاشاتهم، يجد البطل نفسه فجأة عاجزاً عن الإجابة أو الحركة، بعد لحظات قليلة من التشويش، يستيقظ فجأة ليجد نفسه في بيته، أمام التلفاز الذي يعرض فيلماً عن الخيال العلمي عن سكان الفضاء وهم يغزون الأرض. التجربة بأسرها لم تكن إلا حلماً حياً من إلهام الفيلم.
38 أنا ممتنة لأمين هزبر لتزويدي بتسجيل فيديو لهذا ولمسرحيات أخرى عرضت في صنعاء من إخراجه.
60أمين هزبر المذكور آنفاً كمخرج "جريمة في شارع المطاعم" قرأ قصة القعود باهتمام، وقرر تحويلها إلى عمل مسرحي. عُرضت المسرحية في آذار 2013 بعد سبع سنوات من نشر القصة القصيرة، ومع المنظور التاريخي الإضافي لأحداث الربيع العربي في اليمن وانتقال السلطة الناجح جزئياً من صالح لهادي عام 2012. مسرحية هزبر تطيل وتنمق مسرحية القعود بطرق إبداعية ومحلية، بما فيها، على سبيل المثال، مشهد كوميدي متركز حول وصول البطل إلى مطار دعمامستان، عندما يطلب منه، كباقي المواطنين، أن يمر خلال كاشف المعادن، ويتوجب عليه أن ينزع حزامه وحذاءه ونقوده وجواله وطبقات متعددة من ثيابه حيث كان جهاز الإنذار يرن بصورة متكررة.38
39 محتجو الربيع العربي اليمني مجدوا بوضوح مثال الحمدي في 7 تشرين الأول 2011، ونسخوا تسجيل "جمعة الحمدي (...)
61الاحتجاجات الساخطة للبطل على أنه بصفته رئيس ينبغي أن يتلقى معاملة خاصة كانت بلا ريب ستعيد إلى الذاكرة على الأقل عند بعض الجمهور الحكاية الشعبية عن إبراهيم الحمدي، رئيس سابق لشمال اليمن. مرة عندما كان موكب هذا الرئيس عائداً إلى صنعاء، قام جندي عند نقطة تفتيش بالتلويح للسيارات بالمرور بدون اتخاذ الإجراءات الأمنية المعتادة. خرج الحمدي من السيارة وقام بتوبيخ الجندي، معلماً إياه أنه كان عليه أن يدقق في كافة السيارات، بما فيها سيارة الرئيس.39 لكن حتى بالنسبة للمشاهدين الذين لم يتوصلوا إلى ذلك الربط، فإن رسالة المسرحية جلية: ينبغي تطبيق القوانين على الرئيس تماماً كما تطبَّق على المواطنين.
40 لفهم التأثير المدهش على خشبة المسرح لهذا الاختيار، يمكن للمرء أن يحاول أن يتخيل هيلاري كلينتون وأنج (...)
62في تباين مثير للاهتمام مع القصة القصيرة، تعطي المسرحية أدواراً قوية وبارزة للشخصيات الأنثوية. امرأتان بالأخص تمثلان بيروقراطيي دعمامستان الجديين المنظمين الفعالين. تلبسان سروالين بلون رمادي داكن متناسقين مع حذاءين بكعبين عاليين، وقد أُعطيتا دور قراءة العقد للبطل، بالإضافة لأدوار أخرى. شخصيتان أنثويتان شابتان تفرضان القانون بصورة فعالة على الرئيس.40 في الواقع، تقدم المسرحية دعمامستان كالدولة التي تتخيلها وتناصرها العديد من ثورات الربيع العربي الشابة في اليمن: أمة فيها كافة المواطنين يتمتعون بحقوق ومسؤوليات متساوية، حيث يعمل جهاز الدولة بعدالة وفعالية، وتكون فيه الأكثرية غير محكومة بجشع القلة القوية.
41 موت المعلمي في تموز 2013 كان خسارة مأساوية للمسرح اليمني ولكل من عرفه.
63التباين بين العالم المثالي الخيالي والواقع اليمني مهمل بصورة ساخرة أمامنا في أول المسرحية حيث أن البطل يخطط لوصوله كمنتصر إلى كوكبه الجديد. في مناجاة فردية موجهة نحو الجمهور كما لو أنها موجهة لمجموعة من شركاء التآمر، البطل، الذي يمثل دوره باقتدار سام المعلمي،41 يعلن أنه يجب أن يضبط النغمة المناسبة في فترة حكمه بكونه شديداً (قاسياً ومتطلباً) مع رعاياه الجدد من البداية. سيحكم بقبضة حديدية، أو كما تقول العبارة اليمنية الدارجة، يريهم العين الحمراء. الشيء المهم، والذي يؤكده في الخاتمة، أنه لن يتساهل مع المعارضين. عند هذه النقطة، أفراد طاقم التمثيل الذين تسللوا إلى الجمهور، يبدؤون بالغناء (وبتشجيع جيرانهم على الغناء) "ارحل! ارحل" وبذلك ينظمون احتجاجاً عل المسرح ضده حتى قبل أن يتسلم مكتب الرئاسة.
64على نحو ساخر، (وفي تباين صارخ مع علي عبد الله صالح) في نهاية المسرحية يريد البطل بصورة يائسة أن ينجو من المسؤوليات والقيود المفروضة عليه في مكتبه. في اتجاه مقابل لنهاية القصة القصيرة الأكثر غموضاً، ترينا المسرحية البطل منتشياً بقوة وهو يصرخ بسعادة، "أنا مش رئيس الجمهورية" عندما أوقظ بوقاحة من حلمه بركلة من أحمق مأجور: في ظلام انقطاع التيار الكهربائي استلقى بطلنا ليأخذ قيلولة على شوارع صنعاء بالقرب من منزل أحد الشيوخ البارزين. وبذلك يعود بطلنا للواقع بالتوازي مع عودته عن مكانته ونفوذه وسلطته على السلم الاجتماعي اليمني. الجمهور متروك له الخيار ليتأمل فيما إذا كان ابتهاجه عند اليقظة سيتلاشى إلى حنين للنظام والانضباط والمساواة في المعاملة أمام القانون، كما ظهر له في حلم اليقظة.
65تقترح المسرحية الصعوبات الهرقلية التي تواجه أي محاولة لاجتثاث الفساد المتجذر. حتى عندما كان محاطاً بأناس عادلين وأمناء، يصر البطل على رغبته في تحوير القوانين لصالحه، وببساطة يرفض إدراك أن القائد يمكن أن يتصف بأي صفة بعيدة عن الجشَع والأنانية. إنه، في الحقيقة، تشخيص لكل أولئك الأفراد من النظام السابق الذين أثبتت الثورة اليمنية عجزها عن إزاحتهم حتى الآن. دعمامستان تقييم رصين لموقف اليمن بعد مضي أكثر من سنتين على بدء الثورة. رغم أن العديد من اليمنيين أضحوا أكثر إدراكاً بل وأكثر إفصاحاً عن الحاجة للتغيير الاجتماعي السياسي، في بدايات 2013، رغم التعاقب الرئاسي، فإن البنى الأساسية للسلطة في اليمن بقيت إلى حد بعيد كما كانت منذ سنتين.
الخاتمة
66خلال تاريخه الطويل قام المسرح اليمني على نحو متكرر بتأمل وانتقاد وتحدي التسلسلات الهرمية الظالمة والرجعية الاجتماعية والسياسية. منذ بدئها، انتشرت أصوات عالية للثورة ضد الظلم والركود والفساد من المسرح اليمني. لقد استهدفت مسرحيات معينة أشخاصاً أو مجموعات معينة، مثل القوى البريطانية المحتلة في الجنوب أو أئمة حميد الدين في الشمال، كأهداف ضرورية للثورة. آخرون دعوا لتغييرات جذرية في كافة مفاصل المجتمع اليمني، مستهدفين الأنظمة والمواقف الضمنية التي تشجع اللامساواة والتفرقة أو التي تعيق التقدم والحرية الشخصية.
67تصور المسرحيات اليمنية المعاصرة مفهوم الثورة بطريقة متطورة وتعددية، ليس مجرد الانتقال من نظام سياسي إلى آخر، وإنما تغيير جوهري في العلاقات بين الشباب والشيوخ، وبين النساء والرجال، وبين الفرد والمجتمع. في المسرحيات الأربع التي تمت مناقشتها هنا، والتي عرضت قبل وخلال وبعد الربيع العربي في اليمن، نسمع أصوات اليمنيين أنفسهم معلنة لنا السبب وراء رغبتهم في إصلاح اجتماعي وسياسي واقتصادي بعيد المدى، وإلى أي درجة يعتقدون بإمكانية هذا الإصلاح.
68المسرحيتان الأولى والأخيرة في هذه السلسلة تعتبران مثالاً رائعاً لذلك. في 2009 "جريمة في شارع المطاعم" صوّرت المجتمع اليمني كمجتمع فاسد بصورة صادمة. في 2013 تخيلت " دعمامستان" تجربة اليمني مع مجتمع مثالي وعملي في آن معاً. كانت أحداث الربيع العربي عوامل حاسمة في إحضار رؤية مجتمع أكثر عدلاً وأكثر قرباً من دعمامستان إلى الخطاب اليمني الأساسي. ومع ذلك، فرغم هذا الاختلاف، المسرحيتان متشابهتان في الجوهر: بطل القعود هو عكس لبطل الأهدل عبد اللطيف العاجز عن تغيير المجتمع حوله، أو أن يتغير به بصورة إيجابية.
69للأسف، الآمال العريضة والرؤى الخيالية لأوائل 2011، التي تم التعبير عنها في شوارع اليمن كما هي الحال في مسرحية ألفريد فرج، لم تكن سوى وجه واحد من العملة. وفي النهاية، "عود ثقاب" لعمرو جمال، مع تأكيدها الحاد على كل من الهشاشة والجهد المدمر لثورة أمل، يمكن أن تثبت أنها المسرحية التي تعبر بصورة أكثر ملاءمة عن ثورة اليمن المبتورة.
المراجع :-
الأسمر، حسين. المسرح في اليمن: تجربة وطموح، المنار العربي الجيزة، 1991.
الأهدل، وجدي. جريمة في شارع المطاعم ، نص مسرحي غير منشور، كتب في عام 2009.
الزريقي، طاهر علوان. "جريمة وجدي الأهدل في شارع المطاعم"، الثقافة 104 (كانون الثاني 2012)، صنعاء: وزارة الثقافة، صفحات 145–155.
العناني، ر.ٍThe Quest for Justice in the Theater of Alfred Farag "البحث عن العدالة في مسرح آلفريد فرج: قوالب مختلفة، موضوع واحد" مجلة الأدب العربي، مجلد 31، رقم 2 (2000)، صفحات 171–202.
القعود، محمد. "دعمامستان،" في مرابيش بلا حدود، صنعاء، الحياة العامة للكتاب، 2006.
آلن، ر. Drama "دراما"، في An Introduction to Arabic Literature مقدمة في الأدب العربي، مطبعة جامعة كامبريدج، 2000، صفحات 193–215.
أمين، د. Alfred Farag and Egyptian Theatre: The Poetics of Disguise آلفريد فرج والمسرح المصري: شاعرية التنكر، سيراكيوز، مطبعة جامعة سيراكيوز، 2008.
حافظ، س. The Quest for Freedom in Modern Arabic Theater "البحث عن الحرية في المسرح العربي الحديث"، مجلة الأدب العربي 26: 1/2، آذار-حزيران 1995، صفحات 10–36.
"دعمامستان،" عرض دي في دي، المخرج أمين هزبر، 28 آذار 2013.
ديهيوفلز، ل-و. Violence, écriture et société au Yémen : Qawârib jabaliyya de Wajdî al‑Ahdal "العنف والكتابة والمجتمع في اليمن: قوارب جبلية لوجدي الأهدل" في كرونيك يمنيت 11، 2003. متاح على https://doi.org/10.4000/cy.158.
ستاركي، ب. Modern Arabic Literature الأدب العربي الحديث، مطبعة جامعة جورج تاون، 2006.
سيف، يحيى عبد الله. عالم الأدب والفن المسرحي في اليمن، صنعاء، الهيئة العامة للكتاب، 2006.
"عود ثقاب،" عرض دي في دي، مخرج عمرو جمال، 3 تشرين الأول 2011.
عولقي، سعيد. سبعون عاماً من المسرح في اليمن، عدن، وزارة الثقافة والإعلام، 1983.
فرج، أ. Ali Janah Al-Tabrizi and his Servant Quffa "علي جناح التبريزي وخادمه قفة"، ترجمة رشيد العناني، في المسرح العربي الحديث: مقتطفات، محررون سلمى جيوسي وروجر آلن، بلومينغتون، إينديانا، 1995، صفحات 305–352.
كالدويل، إ. Angela Davis Acquitted on All Charges "أنجلا ديفيس مبرأة من كل التهم"، نيويورك تايمز، 5 حزيران 1972، متاح على https://archive.nytimes.com/www.nytimes.com/books/98/03/08/home/davis-acquit.html?_r=1.
منظمة العفو الدولية. Yemen: Abyan Conflict a Human Rights Catastrophe "اليمن: صراع أبين كارثة في حقوق الإنسان،" 4 كانون الأول 2012، متاح على https://www.amnesty.org/en/press-releases/2012/12/yemen-abyan-conflict-human-rights-catastrophe./
هينيسي، ك. Staging a Protest: Sociopolitical Criticism in Contemporary Yemeni Theater "احتجاج على خشبة المسرح: نقد اجتماعي سياسي في المسرح اليمني المعاصر،" في محكوم بالأمل، محرر إياد حسامي، لندن، بلوتو، 2012.
"وجهان لعملة،" عرض دي في دي، مخرج صالح الصالح، 14 كانون الأول 2011.
Haut de page
Notes
1 يقع في حي البونية، المركز الثقافي تملكه وزارة الثقافة، والتي تدعم العديد من الأعمال المسرحية التي تعرض هناك. كما أن المركز متاح لحجوزات ونشاطات المدارس والمنظمات غير الحكومية والمجموعات المجتمعية.
2 طرفة رويت خلال مقابلة مع صالح الصالح، ممثل ومخرج يمني، في صنعاء 16 نيسان 2013.
3 حافظ، 1995، صفحة 10.
4 لا آلن، 2000، ولا ستاركي، 2006، واللذان تاريخهما في المسرح مفيد تماماً لأولئك الذين يبحثون عن المعلومات بخصوص الجنس الأدبي في مكان آخر في الوطن العربي، يقومون بأي إشارة للمسرح في اليمن – ثغرة حقيقية، باعتبار أن الأمة حتى الآن لديها أطول وأغنى تاريخ للمسرح في أي بلد من شبه الجزيرة العربية.
5 للمزيد عن هذه الأعمال، انظر الفصل العاشر من عولقي، 1983. باستثناء مسرحية آلفريد فرج، كافة الترجمات من العربية في هذه المقالة تعود لي.
6 من الأهمية بمكان ملاحظة أنه، رغم التشابه، فإن المسرح اليمني في الشمال يختلف بالإجمال من ناحية التسلسل الزمني والتطور وفي المصطلحات الموضوعية عن ذلك الذي في الجنوب. للمزيد عن تقلبات التاريخ المسرحي في اليمنين، انظر إلى عولقي، 1983، والأسمر، 1991، وسيف، 2006، لرؤية أكثر حداثة عن المسرح في اليمن الموحدة.
7 عولقي، 1983، صفحة 185.
8 المرجع السابق
9 عولقي، 1983، صفحات 187-188.
10 كتبت من قبل علي مسيبلي وأخرجت من قبل عبد الله مسيبلي، وعرضت 30 تشرين الثاني 1968 كجزء من الاحتفال بالعيد السنوي الأول لإعلان استقلال جنوب اليمن عام 1967 (عولقي، 1983، صفحات 190-191). كما يمكن أن يستدل من مواضيعها، فإن أمثلة "مسرح الثورة" المقتبسة هنا عرضت جميعها على المسرح في جنوب اليمن السابق، والذي أخرج لعقود عديدة أكثر مما فعل المسرح في الشمال.
11 عولقي، 1983، صفحة 193.
12 المرجع السابق.
13 قارن كادويل، 1972 للمزيد عن ديفيس.
14 أنا ممتنة من القلب لصبحي الزريقي، مدرس بارز للغة العربية، والذي بمساعدته الرصينة والمليئة بالاهتمام تمكنت من فهم الدقائق اللغوية لمسرحية جريمة، إضافة إلى مسرحيات أخرى، والذي رتب للقائي الأول مع الأهدل. كما أني أشكر الأهدل وأمين هزبر الذين أهدوني من وقتهم لمقابلات مستفيضة عن هذه المسرحية وعرضها.
15 للمزيد عن الأهدل، يرجى النظر إلى ديهيوفلز، 2003.
16 الأهدل، 2009، صفحة 8.
17 المرجع السابق. صفحة 4.
18 قارن الزريقي، 2012.
19 الأهدل، 2009، صفحة 12.
20 المرجع السابق، صفحة 9.
21 المرجع السابق، صفحة 17.
22 الأهدل، 2009، صفحة 17.
23 المرجع السابق، صفحة 18.
24 يروي هِزَبْر أنه درس عرض النهاية على المسرح عندما كتبها الأهدل، إلا أنه وجدها غير مرضية عاطفياً وجمالياً. ومن ثم درس احتمالات أخرى، كتفجير إرهابي، أو مشهد حيث عبد اللطيف يطلق النار على جميلة. إلا أنه لم يكن أي منها متناسباً مع فهم هزبر للشخصية، وقرر في نهاية المطاف أن يوجه عبد اللطيف البندقية نحو نفسه – مما أدى به إلى نوبة قلبية قاتلة، انعطاف ذكي مكن المخرج من التخطي الأنيق لأي أسئلة أخلاقية ذات صلة بالانتحار (مقابلة شخصية مع أمين هزبر، صنعاء، 18 تشرين الثاني 2013). عندما سئل عن رأيه عن هذا التغيير، أجاب الأهدل بتفكر، "قال أمين، وأنا أعرف أنه كان يؤمن بصدق، إن الفنان الحقيقي لا يمكن أبداً أن يجلب الأذى لأحد ما. أفهم منظوره. لكني أعتقد أيضاً أن منظوري صحيح" (مقابلة شخصية مع الأهدل، صنعاء، 13 تشرين الثاني 2013).
25 يبين الأهدل أنه، من ضمن أشياء أخرى، كان يقصد رمز الدولار($) على الكرة الذهبية كرمز للحرف الأول من اسم صالح بالإنكليزية، ويوضح هزبر أن نقاد المسرحية كتبوا مقالات غاضبة تتهمه بمهاجمة النظام (مقابلات شخصية، صنعاء، على التعاقب 13 و18 تشرين الثاني 2013).
26 تم تجهيز التسجيل بحيث كان من الممكن بثه على شاشة التلفزيون اليمني. هذا يحدث بين الفينة والفينة مع المسرحيات اليمنية. بعض فيديوهات العرض المسرحي المباشر يتم أيضاً بيعها لاحقاً في متاجر الفيديو. إلا أنه في هذه الحالة فإن المحطة التلفزيونية اختارت ألا تعرض الفيديو على الهواء مباشرة، وحتى تاريخ كتابة المقالة، لم تثمر المحاولات بالحصول على نسخة من المحطة التلفزيونية.
27 شكري الخالص للدكتور نزار غانم باحث في جامعة صنعاء ومؤسس ل "FPfD" لتزويدي بنسخ من هذه التسجيلات وعروض "FPfD" الأخرى.
28 تم إنتاج عدد من العروض المسرحية الهامة في اليمن بمساعدة رعاية أجنبية، و/ أو منظمات غير حكومية أجنبية. السؤال كيف وإلى أي درجة دعم السفارة والمنظمات غير الحكومية يؤثر في العروض اليمنية لم يعطَ حقه من الدراسة بصورة كاملة بعد رغم أن أحد مقالاتي السابقة (هينيسي، 2012) تشير باقتضاب إليها في النقاش حول أحد برامج التسلية الذي عرض من قبل "FPfD" في صنعاء وكان قد تم دعمه من قبل سفارة الولايات المتحدة الأمريكية.
29 الفترة الحقيقية للوقت الذي انقضى غير محدد في المسرحية. هذا تقديري الخاص.
30 فرج، 1995، صفحة 336.
31 الأماني، 2000، صفحة 193. شكري الخاص للدكتور العناني لإيضاحاته على إحدى مسودات هذه المقالة.
32 فرج، 1995 ،صفحة 345.
33 اليمنيون الذي طلبت منهم أن يفسروا هذه الصورة التي تدل على "النبي عيسى" وأيضاً أشرت إلى الصلب كعقوبة حديثة للمجرمين في السعودية، ولخصوم الجماعة الإسلامية المتطرفة أنصار الشريعة في أبين (بالنسبة للأخيرة، قارن العفو، 2012). كما يتذكر صبحي الزريقي حالة نادرة جداً للصلب في صنعاء، طبقت في التسعينات من القرن العشرين كعقوبة لمعلم قتل العديد من طلابه.
34 هذه ليست المرة الأولى التي تم فيها إضفاء الطابع المسيحي على المسرحية. تلاحظ دينا أمين أنه في عام 1991تمت إعادة كتابة مسرحية فرج في اللهجة العامية المصرية وتم تغيير عنوانها إلى "اتنين في قفة". العنوان اليمني، بينما كان شبيها لهذا العنوان، يلمح بوضوح أكثر للجوانب الإيجابية والسلبية للثورة السياسية المستمرة. قارن أمين، 2008، صفحات 19 و282.
35 القعود، 2006، صفحة 39.
36 المرجع السابق. صفحة 52.
37 المرجع السابق. صفحة 57.
38 أنا ممتنة لأمين هزبر لتزويدي بتسجيل فيديو لهذا ولمسرحيات أخرى عرضت في صنعاء من إخراجه.
39 محتجو الربيع العربي اليمني مجدوا بوضوح مثال الحمدي في 7 تشرين الأول 2011، ونسخوا تسجيل "جمعة الحمدي". رغم أنه كان رئيس شمال اليمن فقط (من 1974 حتى اغتياله في 1977)، قرابة 3 ملايين يمني من الشمال والجنوب خرجوا إلى الشوارع لتمجيد ذكراه.
40 لفهم التأثير المدهش على خشبة المسرح لهذا الاختيار، يمكن للمرء أن يحاول أن يتخيل هيلاري كلينتون وأنجيلا ميركل كعرب في العشرينات من العمر ويرتدين الحجاب، آخذين بالحسبان أنه، حتى في الأدوار الرسمية والعامة، فإن النساء اليمنيات نادراً ما يخترن ارتداء هذا الزي الذكوري الغربي بامتياز.
41 موت المعلمي في تموز 2013 كان خسارة مأساوية للمسرح اليمني ولكل من عرفه.
كاثرين هنيسي, « الثورة على خشبة المسرح: مسرح الربيع العربي في اليمن », Arabian Humanities [En ligne], 4 | 2015, mis en ligne le 01 mai 2021, consulté le 03 mai 2021. URL : http://journals.openedition.org/cy/6845 ; DOI : https://doi.org/10.4000/cy.6845
* كاثرين هنيسي
أستاذة مساعدة في الأدب الإنجليزي في الجامعة الأمريكية في الكويت وزميلة باحث في الوقف الوطني للعلوم الإنسانية (2020-2021)